لقد كانت الأسابيع الأخيرة عنيفة في أفغانستان، حيث أسفرت سلسلة من هجمات حركة «طالبان» عن مقتل العشرات وجرح المئات. وفي أول يوليو الجاري، قتل مقاتلو «طالبان» 40 شخصاً، بينهم طفل، عندما هاجموا مجمعاً حكومياً في كابول، ودمروا بعض المباني المجاورة. وبعد ستة أيام، شنت الحركة هجوماً انتحارياً على مجمع للمخابرات الوطنية في مقاطعة «غزنة» الوسطى، ما أدى إلى مقتل عشرة أشخاص، وإصابة 180 آخرين. وفي كلتا الحالتين، كان الأطفال يصابون أو يقتلون داخل وحول المدارس التي تقع بالقرب من مواقع الهجوم.
لكن هذا الأسبوع، فيما اعتبره البعض بارقة أمل نحو توطيد عملية السلام، وافق مسؤولو «طالبان» ومجموعة من الممثلين من أفغانستان على «خارطة طريق للسلام»، وحددوا فيها ثماني نقاط للتوصل إلى قرار مشترك خلال اجتماع غير رسمي. وكما ذكرت زميلتي «كامالا كونستابل» من كابول، فقد تم الإعلان عن القرار بعد يومين من المحادثات بين الأفغان، وكانت إحدى النقاط المتفق عليها تقليل «الخسائر في صفوف المدنيين إلى الصفر».
وعلى تويتر، قال «زلماي خليل زاد»، الممثل الخاص للولايات المتحدة للمصالحة في أفغانستان، إن المؤتمر «اختتم أعماله بنبرة إيجابية للغاية». وكتب: «أهنئ المشاركين.. لإيجاد أرضية مشتركة».
لكن بالنسبة للبعض، فقد لوثت المذبحة الأخيرة إلى حد ما أي تقدم تم إحرازه خلال المحادثات المذكورة. وقالت السفيرة الأفغانية لدى الولايات المتحدة «رويا رحماني» إنه «من المحزن للغاية» أن نشاهد الهجمات على المدنيين تقع في الأسبوع نفسه الذي التقى فيه الأفغان لمناقشة كيفية إنهاء الحرب المستمرة منذ 18 عاماً. وقد جعلتها أخبار يوم الثلاثاء بشأن التوصل إلى قرار مشترك تشعر بالأمل، لكنها «غير مقتنعة، لأن الكلمات العظيمة تظل بحاجة إلى إجراءات تثبتها»، بحسب ما ذكرت خلال مقابلة معها في السفارة الأفغانية بواشنطن.
وقالت رحماني، وهي أول سفيرة أفغانية لدى الولايات المتحدة، إنها تحدثت إلى بعض المشاركات في المحادثات، اللائي ذكرن أنهن لم يتمكن من التوفيق بين المحادثات العاطفية التي أجريت مع مسؤولي «طالبان» وبين الهجمات المستمرة التي تشنها الحركة على المدنيين في الوطن. وقالت: «كانوا يتلقون الأخبار التي تفيد بأن أطفالاً قد قتلوا، وبأن مدارس الفتيات قد تعرضت للهجوم، وبأنهن كن يستغثن من أجل وقف إطلاق النار. لقد كان الأمر صعباً بالنسبة لهن». وأضافت: إن النساء نقلن لها أن «الأمر كان صعباً حقاً، لكننا استجمعنا كل طاقتنا للجلوس هناك [مع طالبان] والمضي قدماً».
إن أي جهود اتفقت عليها الأطراف للحد من الخسائر المدنية هذا الأسبوع ما زالت أقل من أن ترقى إلى وقف إطلاق النار الرسمي. وفي أوائل شهر يونيو الماضي، كان المدنيون الأفغان يأملون في أن تؤدي الهدنة إلى تهدئة القتال مؤقتاً بالتزامن مع عطلة استمرت ثلاثة أيام في نهاية شهر رمضان المبارك، لكن المفاوضين فشلوا في الاتفاق على وقفٍ لإطلاق النار، حتى بعد الاجتماع في موسكو.
واستمرت الهجمات بلا هوادة منذ ذلك الحين. وذكر تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» عن ضحايا الحرب الأفغانية، أن عدد القتلى بلغ ذروته في عام 2019، مع مقتل 264 من القوات الحكومية و58 مدنياً خلال الفترة بين 2 يونيو و4 يوليو.
وقال «جيمس شوملاين»، وهو دبلوماسي أميركي سابق في أفغانستان، إن «قيام طالبان بهجمات تستهدف المدنيين واستمرارها في تمردها هو لعبة للضغط». وأضاف: «ربما تكون طالبان قد تعهدت بالحفاظ على سلامة المدنيين، لكن حتى يتم التوصل إلى اتفاقيات نهائية، قد يستمر القتال، خاصة أن الحركة تسعى إلى ممارسة القوة في حال فشلت محادثات السلام».
وأجرت الولايات المتحدة و«طالبان» عدداً من جولات التفاوض في العام الماضي، وفيما توقفت تلك المفاوضات، جرت المناقشات بين الأفغان خلال الأيام الأخيرة. وحضر مسؤولو الحكومة الأفغانية بصفتهم الشخصية فقط، لأن «طالبان» رفضت مقابلة الحكومة الأفغانية مباشرة. وتركزت المحادثات مع الولايات المتحدة إلى حد كبير على وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأجنبية، وأعرب المسؤولون الأميركيون عن أملهم في التوصل إلى اتفاق سلام بحلول الأول من سبتمبر المقبل، أي قبل أسابيع قليلة من إجراء الانتخابات الرئاسية الأفغانية.
*صحفية متخصصة في الشؤون الخارجية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»